بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أفضل الأعضاء الموسومين
لا يوجد مستخدم |
ابشري أمة محمد فأنت مرحومة ( بفضل الله ثم محمد)
صفحة 1 من اصل 1
ابشري أمة محمد فأنت مرحومة ( بفضل الله ثم محمد)
بشري يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم
فأنت أمة مرحومة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
عباد الله! يا أمة محمد! أبشري يا أمة محمد! فأنت أمة مرحومة، الله رحم هذه الأمة وخطبتنا اليوم تدور حول رحمة الله لهذه الأمة، وفضلها وخيريتها.
لقد ثبتت أَفْضَلِيَّةُ هذه الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّة، وخيريتها من خالقها سبحانه وتعالى، وذلك بشهادة رب العالمين لها بالخيرية فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
وثبتت أَفْضَلِيَّةُ وخيرية هذه الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم لها، حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي وابن ماجة، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، قَالَ عليه الصلاة والسلام: "إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى"[1].
إذن قبلنا تسع وستون أمة، ونحن نتم السبعين، وبعد هذه الأمة ليس هناك أمة، فادّخر الله جل جلاله هذه الخيرية لآخر الأمم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، "إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله تبارك وتعالى".
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ كَثِيرٍ: [وَإِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْق إِلَى الْخَيْرَاتِ بِنَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ أشرفُ خَلْقِ اللَّهِ أَكْرَمُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ، لَمْ يُعْطَه نَبِيٌّ قَبْلَهُ، وَلَا رَسُولٌ مِنَ الرُّسُلِ، فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ، يَقُومُ القليلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ العملُ الكثيرُ مِنْ أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ مَقَامَهُ][2].
روى الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["فُضِّلَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ لَهَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاء"]، ["وَجُعِلَتْ صُفُوفُهَا"] -أي في الصلاة- ["عَلَى صُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ"]، -هذه ثلاثة، والحديث لم ينتهِ بعد، قال:- ["وَأُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ، مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي"][3].
الثلاثة في التفضيل، وهذه جائزة من الله عز وجل، أن الثلاث آيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش، فلا تنسوا أن تقرؤوها كل ليلة.
أيتها الأمة المحمدية! أيها المسلمون! احمدوا ربَّكم أن مات نبيُّكم قبلَكم، وقبلَ أن يرى سوء أفعالكم، واختلافَكم على أنفسكم، وابتعادَكم عن تعاليم دينكم، فلو كان حيًّا صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- ورأى ذلك التناحر، والتقاتل والتنافر، والتقاطع والتدابر؛ فلربما تبرَّأ منكم أو دعا عليكم بما يهلكُكم في دينكم ودنياكم، ولكن من رحمة الرحمن الرحيم بهذه الأمة؛ أن قبض نبيها قبلها، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ، قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا، حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ"[4].
[[إن الله عزَّ وجلَّ إذا أراد رحمة أمة] أي بقاء أمة؛ لـتأخذ مجالها في الطاعة والعبادة، والقرب من الله بالأعمال الصالحة، فإذا أراد رحمة أمة [من عباده] وأراد حياتها وسلامتها [قبض نبيها] وأماته [قبلها]؛ أي قبل إهلاكها، [فجعله] أي فجعل الله عز وجل ذلك النبي [لها] أي للأمة [فرطًا]... أي مقدم عليها؛ يريد أنَّه شفيع متقدم لهم، [وسلفًا] أي سابقًا [بين يديها]؛ أي قدامها إلى الآخرة... قال القرطبي رحمه الله:
[وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة لهم؛ لأن الموجب لبقائهم بعده إيمانُهم به، واتباعهم لشريعته، ثم إنهم يصابون بموته، فتعظم أجورهم بذلك؛ إذ لا مصيبة أعظم من فقد الأنبياء]، -عليهم الصلاة والسلام-، [فلا أجر أعظم من أجر من أصيب بذلك] -بتلك المصيبة-، [ثم يحصل لهم أجر التمسك بشريعته بعده، فتتضاعف الأجور، فتعظم الرحمة]...
[وأما إذا] -أراد هلكتها، وعذابها و- [أهلكها قبله فذلك لا يكون إلَّا لأنهم لم يؤمنوا به، وخالفوه وعصوا أمره، فإذا استمروا على ذلك من عصيانهم وتمردهم، أبغضهم نبيهم، فربما دعا عليهم، فأجاب الله دعوته فأهلكهم، فأقر عينه فيهم، كما فعل] -سبحانه وتعالى- [بقوم نوح وغيره من الأنبياء] اهـ.
قول القرطبي رحمه الله من المفهم، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:
[وإذا أراد] الله تعالى [هلكة أمة] من الأمم و أراد عذابَها [عذَّبها] بنوع من عقوباته سبحانه، [و] الحال أن [نبيها حيٌّ] فيهم، [فأهلكها وهو] أي .. ونبيهم [ينظر] إلى عذابها النازل بهم، [فأقر] أي أبرد [عينه] أي عين نبيهم بهم أي [بهلكتها]، وأراحه من فسادهم وشركهم، [حين كذبوه] فيما جاءهم به من عند الله تعالى، [وعصوا أمره] فيما أمرهم به؛ أي خالفوه في أوامره ونواهيه، فأهلكهم بسبب عصيانهم لنصره عليهم، هذا ما حدث في الأنبياء السابقين، أما هذه الأمة فباقية، وفي هذا المسجد جزء من هذه الأمة، فاحمدوا ربكم يا عباد الله أنكم آمنتم بنبيكم ولم تروه، وإنما أخذتم ذلك ولدا عن والد، ووالد عن جدٍّ، أخذتم ذلك من علماءكم يا عباد الله][5].
عباد الله! أيها المسلمون! كونوا من غرس الله سبحانه، حيث ثبت عَنْ أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ"[6].
[لا يزال يغرس غرسا] فكن من هذا الغرس، أي يغرس فيه طاعة الله، هذا العبد يطيع الله ولا يعصيه، وإن عصاه رجع إليه بتوبة، وأوبة إنابة، هذا من غرس الله جل جلاله.
هذه الأمة مع أنها آخر الأمم في الدنيا، ولكنها سابقة الأمم يوم القيامة، وهذا ما ثبت عند البخاري ومسلم والنسائي وأحمد، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"]، ["نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ قَبْلَ الْخَلَائِقِ"]، ["يُقَالُ: أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ"]، ["وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ"]؛ ["بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ"]، -الله تعبَّد من قبلنا بالجمعة- ["أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا"]، ["فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ"]، ["فَجَاءَ اللهُ عز وجل بِنَا"]، ["فَهَدَانَا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِهِ"]، ["فَهُمْ لَنَا تَبَعٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"]، [فَالْيَوْمُ لَنَا"]، ["وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ"]، ["وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"][7].
هذه الأمة؛ الخير فيها كلّها أولها وآخرها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ، أَمْ آخِرُهُ"[8].
وخير هذه الأمة وأفضلها وأعلاها شأنا علماؤها، هؤلاء العلماء الذين فيهم صفات إذا افتقدوها أصبحوا من شرار الأمة، ومن رَعاعها وسفائها، روى البيهقي في السنن الكبرى، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَأوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ"[9].
إنهم الذين يجددون هذا الدين بين الحين والحين، بنفي البدع والخزعبلات عن هذا الدين، روى أبو داود في سننه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"[10].
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: [إن الله يُقَيِّضُ للناس في رأس كل مائة من يعلِّمُهم السُّنن، ويَنفي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الكذب، قال: فنظرنا، فإذا في رأس المائة: عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين: الشافعي] -رحمه الله.-[11].
وقال الإمام أحمد هذا الكلام حسب علمه؛ لأنه لم يأت القرن الثالث إلا بعده، فهو توفي في القرن الثالث.
إنهم علماء هذه الأمة، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ، وَالْآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ"، -يعني الأسماك بأنواعها التي تعيش في البحار، وحتى الحوت- "لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"[12].
يعني يدعون لهم بالخير والرحمة، هذه الكائنات كلها تدعو للعلماء الذين يعلمون الناس.
قَالَ أَبُو عِيسَى -الترمذي رحمه الله-: [سَمِعْت أَبَا عَمَّارٍ الْحُسَيْنَ بْنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: عَالِمٌ، عَامِلٌ، مُعَلِّمٌ، يُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ].
ومن رحمة الله بهذه الأمة؛ -رغم ارتكابها المعاصي والذنوب والخطايا ممن ينتمي إليها- أن جعل عذابها في الدنيا؛ فأكثر عذاب الأمة في الحياة الدنيا، يمحِّصهم الله ويدخلون الجنة بسلام، ولا يعذب يوم القيامة إلا أقلّ القليل من هذه الأمة، فنسأل الله عز وجل أن يعافينا من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم آمين.
ثبت عند أبي داود في سننه، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ"[13].
الفتن التي تحدث في الناس اليوم، وينام الإنسان مهموم، هذا الهم يزيح عنه كثيرا من العذاب، ينام وهو مظلوم، هذا الظلم الذي وقع عليه يزيل عنه كثيرا من المساءلة يوم القيامة، فالذي يحدث في الأمة من الفتن والزلازل والقتل، هذا عذاب لها في الدنيا قبل الآخرة.
وثبت عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عُقُوبَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالسَّيْفِ"[14]
يعني يحدث بينها اقتتال، كلّ يسلُّ سلاحَه على أخيه المسلم، والفتن التي تكون بينهم هذا عذاب الأمة، عقوبة هذه الأمة بالسيف.
وروى ابن ماجة، الحاكم في مستدركه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَرْحُومَةٌ"] [جُعِلَ عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا]، [فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، دُفِعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُقَالُ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ"][15].
[هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ] افد نفسك، فيأخذ هذا المشرك ويلقي به في النار؛ لأنّ كلّ إنسان مخلوق له مقعدان، مؤمن أو كافر، نبيّ أو غير نبيّ، له مقعدان، مقعد في جهنم، ومقعد في الجنة، فالمؤمن إذا دخل الجنة يرثه الكافر في النار، وهو يرث الكافر في الجنة، يأخذ مقعده، فيؤخذ الكافر فيجعل في مقعده هناك في جهنم، وهو يكون مكانه، لذلك هاتان الجنتان اللتان وردتا في سورة الرحمن، جنتان للمؤمنين، الأصل له جنة، والثانية يرثها، الله يورثه إياها.
قال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 27، 28].
توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة، للعالمين كافّة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع خطاه إلى يوم الدين، أما بعد:
هذه الأمة هي أكثر أهل الجنة عددا يوم القيامة، روى أبو داود والإمام أحمد، عَنْ طَلْحَةَ مَوْلَى قَرَظَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: [كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا]، -كانوا في سفر فنزلوا منزلا ليستريحوا- فَقَالَ: "مَا أَنْتُمْ" -يشير إلى أصحابه الذين معه آنذاك، ما أنتم- "بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ"، قَالَ طَلْحَةُ -رحمه الله-: فَقُلْنَا لِزَيْدٍ -رضي الله تعالى عنه-: [وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟] قَالَ: [كُنَّا سَبْعَ مِائَةٍ أَوْ ثَمَانِ مِائَةٍ][16].
هذا هو الجزء من المائة ألف جزء الذين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويردون عليه الحوض، هذه الأمة أكثر أهل الجنة عددا، فإذا كان قد ثبت أن في الجنة صفوفا، كما قال صلى الله عليه وسلم وبين: "أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟" فَقُلْنَا: [يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟!] قَالَ: "يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ"[17].
لذلك كلّ صفٍّ فيه عدد، فلنضرب عدد الصف في عدد الصفوف، فيكون كم عددهم؟
انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ؛ ثَمَانُونَ صَفًّا مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ". [18] فأبشري أيتها الأمة.
وورد أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله -تعالى- عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَبَعْضُهَا فِي النَّارِ، وَبَعْضُهَا فِي الْجَنَّةِ، إِلَّا أُمَّتِي فَإِنَّهَا كُلَّهَا فِي الْجَنَّةِ"[19].
ما من أمة إلا وبعضها في النار، وبعضها في الجنة؛ إلا أمتي فإنها كلها في الجنة، يعني بعد الحساب والعقاب لمن استحقه؟ أو يكون بعفو الله، ويكون الكلّ في الجنة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
فأبشري أيتها الأمة، وهذه البشريات جاءنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا فصلوا عليه كما أمر الله عز وجل، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم فكَّ أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، وأغنِ فقراء المسلمين، اللهم ارجع الغائبين إلى أهاليهم سالمين غانمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شافيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما غانما يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.
وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
[1] [ت] [3001]، [جة] [4288]، وحسنه الألباني في هداية الرواة [6249].
[2] تفسير ابن كثير ت سلامة [2/ 94].
[3] [حم] [23299]، [م] 4- [522].
[4] [م] 24- [2288]، [حب] [6647].
[5] بتصرف من [الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم] [23/ 57، 58].
[6] [جة] [8]، [حم] [17822]، [حب] [326]، انظر الصَّحِيحَة [2442].
[7] [خ] [836]، [خ] [856]، [م] [855]، [856]، [س] [1368]، [جة] [1083]، [جة] [4290]، [حم] [7692]، [حم] [10624].
[8] [ت] [2869]، [حم] [12349]، [حب] [7226]، المشكاة [6277]، الصَّحِيحَة [2286].
[9] [هق] [20700]، [مسند الشاميين] [599]، وصححه الألباني في المشكاة [248].
[10] [د] [4291]، [ك] [8592]، [طس] [6527]، صَحِيح الْجَامِع [1874]، الصَّحِيحَة [599].
[11] الصَّحِيحَة: [599].
[12] [ت] [2685]، [مي] [289]، [طب] [7911]، انظر صَحِيح الْجَامِع [1838]، صَحِيح التَّرْغِيبِ [81].
[13] [د] [4278]، [ك] [8372]، [يع] [7277]، [طس] [4055]، انظر صَحِيح الْجَامِع [1396]، [1738]، الصحيحة [959].
[14] أخرجه الخطيب البغدادي [1/ 317]، صَحِيح الْجَامِع [4017]، الصَّحِيحَة [1347].
[15] [جة] [4292]، [ك] [7650]، انظر صَحِيح الْجَامِع [3994]، انظر الصحيحة [1381].
[16] [د] [4746]، [حم] [19310]، صَحِيح الْجَامِع [5557]، الصَّحِيحَة: [123].
[17] [م] 119- [430].
[18] [ت] [2546]، [جة] [4289]، [حم] [22990]، [حب] [7459]، وصححه الألباني في المشكاة [5644]، وهداية الرواة [5569].
[19] الخطيب [9/ 376]، [طس] [1837]، [طص] [648]، صَحِيح الْجَامِع [5693].
فأنت أمة مرحومة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
عباد الله! يا أمة محمد! أبشري يا أمة محمد! فأنت أمة مرحومة، الله رحم هذه الأمة وخطبتنا اليوم تدور حول رحمة الله لهذه الأمة، وفضلها وخيريتها.
لقد ثبتت أَفْضَلِيَّةُ هذه الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّة، وخيريتها من خالقها سبحانه وتعالى، وذلك بشهادة رب العالمين لها بالخيرية فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
وثبتت أَفْضَلِيَّةُ وخيرية هذه الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم لها، حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي وابن ماجة، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، قَالَ عليه الصلاة والسلام: "إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى"[1].
إذن قبلنا تسع وستون أمة، ونحن نتم السبعين، وبعد هذه الأمة ليس هناك أمة، فادّخر الله جل جلاله هذه الخيرية لآخر الأمم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، "إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله تبارك وتعالى".
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ كَثِيرٍ: [وَإِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْق إِلَى الْخَيْرَاتِ بِنَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ أشرفُ خَلْقِ اللَّهِ أَكْرَمُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ، لَمْ يُعْطَه نَبِيٌّ قَبْلَهُ، وَلَا رَسُولٌ مِنَ الرُّسُلِ، فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ، يَقُومُ القليلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ العملُ الكثيرُ مِنْ أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ مَقَامَهُ][2].
روى الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["فُضِّلَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ لَهَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاء"]، ["وَجُعِلَتْ صُفُوفُهَا"] -أي في الصلاة- ["عَلَى صُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ"]، -هذه ثلاثة، والحديث لم ينتهِ بعد، قال:- ["وَأُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ، مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي"][3].
الثلاثة في التفضيل، وهذه جائزة من الله عز وجل، أن الثلاث آيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش، فلا تنسوا أن تقرؤوها كل ليلة.
أيتها الأمة المحمدية! أيها المسلمون! احمدوا ربَّكم أن مات نبيُّكم قبلَكم، وقبلَ أن يرى سوء أفعالكم، واختلافَكم على أنفسكم، وابتعادَكم عن تعاليم دينكم، فلو كان حيًّا صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- ورأى ذلك التناحر، والتقاتل والتنافر، والتقاطع والتدابر؛ فلربما تبرَّأ منكم أو دعا عليكم بما يهلكُكم في دينكم ودنياكم، ولكن من رحمة الرحمن الرحيم بهذه الأمة؛ أن قبض نبيها قبلها، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ، قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا، حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ"[4].
[[إن الله عزَّ وجلَّ إذا أراد رحمة أمة] أي بقاء أمة؛ لـتأخذ مجالها في الطاعة والعبادة، والقرب من الله بالأعمال الصالحة، فإذا أراد رحمة أمة [من عباده] وأراد حياتها وسلامتها [قبض نبيها] وأماته [قبلها]؛ أي قبل إهلاكها، [فجعله] أي فجعل الله عز وجل ذلك النبي [لها] أي للأمة [فرطًا]... أي مقدم عليها؛ يريد أنَّه شفيع متقدم لهم، [وسلفًا] أي سابقًا [بين يديها]؛ أي قدامها إلى الآخرة... قال القرطبي رحمه الله:
[وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة لهم؛ لأن الموجب لبقائهم بعده إيمانُهم به، واتباعهم لشريعته، ثم إنهم يصابون بموته، فتعظم أجورهم بذلك؛ إذ لا مصيبة أعظم من فقد الأنبياء]، -عليهم الصلاة والسلام-، [فلا أجر أعظم من أجر من أصيب بذلك] -بتلك المصيبة-، [ثم يحصل لهم أجر التمسك بشريعته بعده، فتتضاعف الأجور، فتعظم الرحمة]...
[وأما إذا] -أراد هلكتها، وعذابها و- [أهلكها قبله فذلك لا يكون إلَّا لأنهم لم يؤمنوا به، وخالفوه وعصوا أمره، فإذا استمروا على ذلك من عصيانهم وتمردهم، أبغضهم نبيهم، فربما دعا عليهم، فأجاب الله دعوته فأهلكهم، فأقر عينه فيهم، كما فعل] -سبحانه وتعالى- [بقوم نوح وغيره من الأنبياء] اهـ.
قول القرطبي رحمه الله من المفهم، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:
[وإذا أراد] الله تعالى [هلكة أمة] من الأمم و أراد عذابَها [عذَّبها] بنوع من عقوباته سبحانه، [و] الحال أن [نبيها حيٌّ] فيهم، [فأهلكها وهو] أي .. ونبيهم [ينظر] إلى عذابها النازل بهم، [فأقر] أي أبرد [عينه] أي عين نبيهم بهم أي [بهلكتها]، وأراحه من فسادهم وشركهم، [حين كذبوه] فيما جاءهم به من عند الله تعالى، [وعصوا أمره] فيما أمرهم به؛ أي خالفوه في أوامره ونواهيه، فأهلكهم بسبب عصيانهم لنصره عليهم، هذا ما حدث في الأنبياء السابقين، أما هذه الأمة فباقية، وفي هذا المسجد جزء من هذه الأمة، فاحمدوا ربكم يا عباد الله أنكم آمنتم بنبيكم ولم تروه، وإنما أخذتم ذلك ولدا عن والد، ووالد عن جدٍّ، أخذتم ذلك من علماءكم يا عباد الله][5].
عباد الله! أيها المسلمون! كونوا من غرس الله سبحانه، حيث ثبت عَنْ أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ"[6].
[لا يزال يغرس غرسا] فكن من هذا الغرس، أي يغرس فيه طاعة الله، هذا العبد يطيع الله ولا يعصيه، وإن عصاه رجع إليه بتوبة، وأوبة إنابة، هذا من غرس الله جل جلاله.
هذه الأمة مع أنها آخر الأمم في الدنيا، ولكنها سابقة الأمم يوم القيامة، وهذا ما ثبت عند البخاري ومسلم والنسائي وأحمد، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"]، ["نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ قَبْلَ الْخَلَائِقِ"]، ["يُقَالُ: أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ وَنَبِيُّهَا؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ"]، ["وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ"]؛ ["بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ"]، -الله تعبَّد من قبلنا بالجمعة- ["أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا"]، ["فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ"]، ["فَجَاءَ اللهُ عز وجل بِنَا"]، ["فَهَدَانَا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِهِ"]، ["فَهُمْ لَنَا تَبَعٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"]، [فَالْيَوْمُ لَنَا"]، ["وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ"]، ["وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"][7].
هذه الأمة؛ الخير فيها كلّها أولها وآخرها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ، أَمْ آخِرُهُ"[8].
وخير هذه الأمة وأفضلها وأعلاها شأنا علماؤها، هؤلاء العلماء الذين فيهم صفات إذا افتقدوها أصبحوا من شرار الأمة، ومن رَعاعها وسفائها، روى البيهقي في السنن الكبرى، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَأوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ"[9].
إنهم الذين يجددون هذا الدين بين الحين والحين، بنفي البدع والخزعبلات عن هذا الدين، روى أبو داود في سننه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا"[10].
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: [إن الله يُقَيِّضُ للناس في رأس كل مائة من يعلِّمُهم السُّنن، ويَنفي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الكذب، قال: فنظرنا، فإذا في رأس المائة: عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين: الشافعي] -رحمه الله.-[11].
وقال الإمام أحمد هذا الكلام حسب علمه؛ لأنه لم يأت القرن الثالث إلا بعده، فهو توفي في القرن الثالث.
إنهم علماء هذه الأمة، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ، وَالْآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ"، -يعني الأسماك بأنواعها التي تعيش في البحار، وحتى الحوت- "لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"[12].
يعني يدعون لهم بالخير والرحمة، هذه الكائنات كلها تدعو للعلماء الذين يعلمون الناس.
قَالَ أَبُو عِيسَى -الترمذي رحمه الله-: [سَمِعْت أَبَا عَمَّارٍ الْحُسَيْنَ بْنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: عَالِمٌ، عَامِلٌ، مُعَلِّمٌ، يُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ].
ومن رحمة الله بهذه الأمة؛ -رغم ارتكابها المعاصي والذنوب والخطايا ممن ينتمي إليها- أن جعل عذابها في الدنيا؛ فأكثر عذاب الأمة في الحياة الدنيا، يمحِّصهم الله ويدخلون الجنة بسلام، ولا يعذب يوم القيامة إلا أقلّ القليل من هذه الأمة، فنسأل الله عز وجل أن يعافينا من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم آمين.
ثبت عند أبي داود في سننه، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ"[13].
الفتن التي تحدث في الناس اليوم، وينام الإنسان مهموم، هذا الهم يزيح عنه كثيرا من العذاب، ينام وهو مظلوم، هذا الظلم الذي وقع عليه يزيل عنه كثيرا من المساءلة يوم القيامة، فالذي يحدث في الأمة من الفتن والزلازل والقتل، هذا عذاب لها في الدنيا قبل الآخرة.
وثبت عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عُقُوبَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالسَّيْفِ"[14]
يعني يحدث بينها اقتتال، كلّ يسلُّ سلاحَه على أخيه المسلم، والفتن التي تكون بينهم هذا عذاب الأمة، عقوبة هذه الأمة بالسيف.
وروى ابن ماجة، الحاكم في مستدركه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ["إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَرْحُومَةٌ"] [جُعِلَ عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا]، [فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، دُفِعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُقَالُ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ"][15].
[هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ] افد نفسك، فيأخذ هذا المشرك ويلقي به في النار؛ لأنّ كلّ إنسان مخلوق له مقعدان، مؤمن أو كافر، نبيّ أو غير نبيّ، له مقعدان، مقعد في جهنم، ومقعد في الجنة، فالمؤمن إذا دخل الجنة يرثه الكافر في النار، وهو يرث الكافر في الجنة، يأخذ مقعده، فيؤخذ الكافر فيجعل في مقعده هناك في جهنم، وهو يكون مكانه، لذلك هاتان الجنتان اللتان وردتا في سورة الرحمن، جنتان للمؤمنين، الأصل له جنة، والثانية يرثها، الله يورثه إياها.
قال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 27، 28].
توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة، للعالمين كافّة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع خطاه إلى يوم الدين، أما بعد:
هذه الأمة هي أكثر أهل الجنة عددا يوم القيامة، روى أبو داود والإمام أحمد، عَنْ طَلْحَةَ مَوْلَى قَرَظَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: [كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا]، -كانوا في سفر فنزلوا منزلا ليستريحوا- فَقَالَ: "مَا أَنْتُمْ" -يشير إلى أصحابه الذين معه آنذاك، ما أنتم- "بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ"، قَالَ طَلْحَةُ -رحمه الله-: فَقُلْنَا لِزَيْدٍ -رضي الله تعالى عنه-: [وَكَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟] قَالَ: [كُنَّا سَبْعَ مِائَةٍ أَوْ ثَمَانِ مِائَةٍ][16].
هذا هو الجزء من المائة ألف جزء الذين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويردون عليه الحوض، هذه الأمة أكثر أهل الجنة عددا، فإذا كان قد ثبت أن في الجنة صفوفا، كما قال صلى الله عليه وسلم وبين: "أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟" فَقُلْنَا: [يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟!] قَالَ: "يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ"[17].
لذلك كلّ صفٍّ فيه عدد، فلنضرب عدد الصف في عدد الصفوف، فيكون كم عددهم؟
انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ؛ ثَمَانُونَ صَفًّا مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ". [18] فأبشري أيتها الأمة.
وورد أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله -تعالى- عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَبَعْضُهَا فِي النَّارِ، وَبَعْضُهَا فِي الْجَنَّةِ، إِلَّا أُمَّتِي فَإِنَّهَا كُلَّهَا فِي الْجَنَّةِ"[19].
ما من أمة إلا وبعضها في النار، وبعضها في الجنة؛ إلا أمتي فإنها كلها في الجنة، يعني بعد الحساب والعقاب لمن استحقه؟ أو يكون بعفو الله، ويكون الكلّ في الجنة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
فأبشري أيتها الأمة، وهذه البشريات جاءنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا فصلوا عليه كما أمر الله عز وجل، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم فكَّ أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، وأغنِ فقراء المسلمين، اللهم ارجع الغائبين إلى أهاليهم سالمين غانمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شافيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما غانما يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.
وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
[1] [ت] [3001]، [جة] [4288]، وحسنه الألباني في هداية الرواة [6249].
[2] تفسير ابن كثير ت سلامة [2/ 94].
[3] [حم] [23299]، [م] 4- [522].
[4] [م] 24- [2288]، [حب] [6647].
[5] بتصرف من [الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم] [23/ 57، 58].
[6] [جة] [8]، [حم] [17822]، [حب] [326]، انظر الصَّحِيحَة [2442].
[7] [خ] [836]، [خ] [856]، [م] [855]، [856]، [س] [1368]، [جة] [1083]، [جة] [4290]، [حم] [7692]، [حم] [10624].
[8] [ت] [2869]، [حم] [12349]، [حب] [7226]، المشكاة [6277]، الصَّحِيحَة [2286].
[9] [هق] [20700]، [مسند الشاميين] [599]، وصححه الألباني في المشكاة [248].
[10] [د] [4291]، [ك] [8592]، [طس] [6527]، صَحِيح الْجَامِع [1874]، الصَّحِيحَة [599].
[11] الصَّحِيحَة: [599].
[12] [ت] [2685]، [مي] [289]، [طب] [7911]، انظر صَحِيح الْجَامِع [1838]، صَحِيح التَّرْغِيبِ [81].
[13] [د] [4278]، [ك] [8372]، [يع] [7277]، [طس] [4055]، انظر صَحِيح الْجَامِع [1396]، [1738]، الصحيحة [959].
[14] أخرجه الخطيب البغدادي [1/ 317]، صَحِيح الْجَامِع [4017]، الصَّحِيحَة [1347].
[15] [جة] [4292]، [ك] [7650]، انظر صَحِيح الْجَامِع [3994]، انظر الصحيحة [1381].
[16] [د] [4746]، [حم] [19310]، صَحِيح الْجَامِع [5557]، الصَّحِيحَة: [123].
[17] [م] 119- [430].
[18] [ت] [2546]، [جة] [4289]، [حم] [22990]، [حب] [7459]، وصححه الألباني في المشكاة [5644]، وهداية الرواة [5569].
[19] الخطيب [9/ 376]، [طس] [1837]، [طص] [648]، صَحِيح الْجَامِع [5693].
مواضيع مماثلة
» عظمة محمد صلى الله عليه وسلم
» محمد صلى الله عليه وسلم في قلوبنا
» قصة رضاع النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)
» مولد وتسمية محمد صلى الله عليه وسلم
» عظمة محمد صلى الله عليه وسلم الشيخ علي الطنطاوي
» محمد صلى الله عليه وسلم في قلوبنا
» قصة رضاع النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)
» مولد وتسمية محمد صلى الله عليه وسلم
» عظمة محمد صلى الله عليه وسلم الشيخ علي الطنطاوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد يوليو 23, 2017 8:53 am من طرف زهور الخير
» اسم الله العـــزيز
الأحد يوليو 23, 2017 8:32 am من طرف زهور الخير
» اسم الله تعالى المهيمن
الأحد يوليو 23, 2017 8:21 am من طرف زهور الخير
» دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لاهل بيته
الأحد يوليو 23, 2017 7:55 am من طرف زهور الخير
» سورة البلد بصوت الشيخ مصطفى اللاهوني مترجم بثلاثة لغات [ العربية و الانجليزية و الفرنسية ]
الخميس يوليو 20, 2017 5:40 pm من طرف زهور الخير
» سورة الفجر بصوت الشيخ مصطفى اللاهوني مترجم بثلاثة لغات [ العربية و الانجليزية و الفرنسية ]
الخميس يوليو 20, 2017 5:40 pm من طرف زهور الخير
» سورة الغاشية بصوت الشيخ مصطفى اللاهوني مترجم بثلاثة لغات [ العربية و الانجليزية و الفرنسية ]
الخميس يوليو 20, 2017 5:38 pm من طرف زهور الخير
» سورة الاعلى بصوت الشيخ مصطفى اللاهوني مترجم بثلاثة لغات [ العربية و الانجليزية و الفرنسية ]
الخميس يوليو 20, 2017 5:37 pm من طرف زهور الخير
» سورة الطارق بصوت الشيخ مصطفى اللاهوني مترجم بثلاثة لغات [ العربية و الانجليزية و الفرنسية ]
الخميس يوليو 20, 2017 5:36 pm من طرف زهور الخير